إمـــــــرأة هــــزمتها الـــــــــحياه ... ولـــــــــكنها عــرفت كــــيف تــــــــربح مــن هـــــزيمتها ....

السلام عليكم ورحمة الله

كان لأمـــي صديقة من أيام الطفولة .. سيدة كريمة النفس ..

سَمحة جدا أبيه .. يزخر قلبها بالحنان

وتفيض نفسها بالعذوبة والرقة ... ملائكية الجمال ..

صوتها يشبه همس النسيم في ليله صيفية عندما يهب محملا برائحة الياسمين

تــــُرى هل أسرفت في مدحها ؟

ابدا والله ... سبحان الله لقد كانت - بعد كل ما قلته عنها - خيرا مما قلت

تلك السيدة الفاضلة كانت جميلة جدا ولكنها لم تتزوج

برغم ما تملكه من جمال وانا واثقة انها كانت رائعة الحسن والجمال ايام شبابها

كانت تأتي باستمرار لزيارة أمــــي ..

وكنت دوما ارى حزنا عميقا كامنا في نظراتها .. برغم ابتسامتها الجذابة الهادئة

وكنت اتمنى ان اسألها عن سر تلك النظرة الحزينة

ولكني قلت انه ربما يوما ما سوف اعرف سر حزنها

ويوما ما مرضت صديقة امي وعلمت انها دخلت المستشفى

فجزعت عليها وذهبت فورا لزيارتها .. فلقد كنت احبها كثيرا

ورأيت تلك الرقيقة الجميلة الرائعة وهي طريحة الفراش وسبحان الله ..

عندما امعنت النظر بها وجدت انها لم تفقد جمالها الملائكي

لم يستطع المرض بكل جبروته وقوته

ان ينزع تلك الابتسامة الهادئة من على شفتيها

واظبت على زيارتها في المستشفى يوميا وكنت اقضي اليوم كله معها

وهناك قابلت سيدة فاضلة تزورها هي وزوجها واولادهما

شابتان تشبهان القمر وفتى يافع الشباب يشبه والده كثيرا وعلمت منها

انهم اصدقائها المقربين .. فلقد كان واضحا ان الصلة بينهم قوية

من طريقة معاملتهم لها ومعاملتها لهم ومن حب اولادهم لها ....

ثم يوما ما وجدتها تنظر لي نظرة طويلة وتقول بدون مقدمات :

يوما ما احببت شابا كان لي الدنيا ومن وما فيها

وكنت انتظر ان يصارحني بحبه الذي شعرته منه ..

ثم أتى في يوم ما وقال لي انه يحب صديقتي فلانة

ويتمنى الزواج بها ولكنه لا يستطيع ان يصارحها بحبه وسألني :

هل لكي ان تصارحيها وتسأليها عن شعورها نحوي ؟

هنا ... انهارت كل آمالي واحلامي وحبي ... ماذا تزيد عني ؟

ماذا احب فيها ولم يجده بي ؟

لماذا هي ولست انا ؟

صمتت السيدة قليلا ثم اكملت

انا احببت تلك الصديقة جدا

فلقد كنت انا وهي نكاد نكون نسخة من بعض ... ماذا افعل ؟

مرت الأيام على تلك المصارحة منه وبدأت ثائرتي تهدأ قليلا

ولكن حبي له لم يهدأ كنت دوما اتساءل

لم هذا الخلط الغريب من القدر ؟

ماذا لو كان احبني انا ؟

لم جعله القدر يحب فتاة اخرى لا تكاد تشعر به ؟ لم فضلها عني ؟

ثم بعد جهد كبير اقنعت نفسي انه من العبث ان احاول الكف عن حبه

فلقد تشعب حبه بقلبي واصبح من العسير اقتلاعه منه الا اذا اقتلعت القلب نفسه

فسألت نفسي سؤال - ومازال الحديث عن لسان صديقة امــــــي :

لماذا لا احاول اسعاده ؟

لم لا اجاهد لكي احقق له امنيته ؟

لم لا اساعده للحصول على حبه ؟

لم لا اكون عونا لهما على الحياة السعيدة ؟

وهنا بدأت اولى خطوات مشواري ...

صارحت صديقتي بحبه لها ....

طبعا هي لم تكن تعلم اني احبه كانت تعلم اننا اصدقاء فقط

وظللت اثني كثيرا على محاسنه وفضائله ..

ولم اراها يوما الا وتحدثت عنه وعن اخلاقه الرائعة

وظللت هكذا مده طويلة حتى مال قلبها اليه

فارتحت قليللا وبدأت رحلة اخرى ..

صديقتي لم تكن حاصلة الا على شهادة الثانوية العامة .. وكان هو طبيب امتياز

ويوما ما سيكون له شأنا ومكانة عظيمتين لما اراه فيه من نبوغ وذكاء ...

فظللت احثها على ان تكمل تعليمها حتى تليق به

وتكون على نفس مستواه العلمي والثقافي

ووفقني الله لان اجعلها تكمل مشوار تعليمها

وفي هذه الاثناء اعلنوا خطبتهما ثم بعد تخرجها تم الزفاف

وظللت مع ذلك الصديق وتلك الصديقة حتى جعلتها تكمل الماجستير ومن ثم رسالة الدكتوراه ..

وخلال تلك السنوات

رزقهما الله طفلتين اشبه بالملائكة تشبهان امهما كثيرا

وصبي رائع هادئ الطبع كوالده

كنت اعتني بهم اثناء دراسة صديقي وصديقتي .. كنت كفرد اساسي في منزلهما

والآن

هو

دكتور متفوق في مجال تخصصه وحصل على الكثير من الجوائز العلمية العالمية

وهي ..

ما شاء الله دكتورة في الجامعة وناجحة جدا في عملها ..

وهم من رايتهما عندي يوم امس مع اولادهما

هنا انتهى حديث صديقة امــــي ...

ووجدت نفسي وقد انسابت دموعي على وجنتاي دون ان اشعر

فنظرت لي .. ومدت يدها الرقيقة الحانية ومسحت دموعي وقالت :

لا تظني ابدا اني قد فعلت اي شيء ..

فأنا لم اضحي كما تتصورين .. ولم يكن فيما فعلت انكار لذاتي

لا ... ولكن كل ما فعلته هو

اني اسعدت نفسي بقرب من احببت بطريقة مختلفة لم يعتدها الناس من قبل

كنت اتخيل سعادتي وانا زوجة له ..

ولكن لم يكن مقدرا لي ان اسلك ذلك الطريق من السعادة

فتجاوزته وسلكت الطريق المجاور له ...

فانتهى بي المطاف الى ما كان سينتهي به الطريق الاول

حققت هدفي ..

سعدت بقربه وبصداقته وبسعادته وسعادة اقرب صديقة لي وعشت معهما ايضا

عشت مع من احببت سنوات كثيرة

وهيأت لنفسي ولقلبي ظلالا لكي احميه من لهيب طريق الحياة

فماذا يضيرني في ان تحمل غيري المظلة عني ؟

ما الضرر اذا كنا كلنا قد تشاركنا في مشوار الحياة معا ؟

فلقد نلت من السعادة اكثر مما كنت ابغي ..

عشت كأن دارهم داري ... اولادهما ربيتهم كما لو كانوا اولادي

منحتهم جميعا كل ما استطعت ان امنحهم من السعادة والحب والاستقرار

فهل فعلت الكثير ؟

وقبل ان ارد عليها ...

دخل صديقها او حبيبها الغرفة ومعه زوجته التي هي صديقتها واولادهما الثلاثة

فانسحبت بهدوء .. وانا افكر في كل كلامها وتساءلت

تـــُرى هل هزمت الحياة تلك السيدة الرائعة ؟

ام

هي من هزم الحياة وعرفت كيف تأخذ سعادتها بطريقة مختلفة ونادرة ؟

هل يعلم حبيبها بمقدار حبها له ؟

هل تعلم صديقتها بمقدار التضحية التي ضحتها

من اجلها ومن اجل اولادها بأن وهبت حياتها لهم ولم تتزوج ؟

هل ... وهل ... وهل

وبالطبع ما زلت اتساءل

اتــــــــــــــــــــــــــمنى ان تروق لكم

دمتم في حفظ الرحمن